على مدى الأسبوع الماضي، شهد المغرب تعبئة غير مسبوقة قادها جيل زد. فبفضل مجتمعات رقمية مثل GenZ212 و Moroccan Youth Voices، عبر منصة Discord، نجح عشرات الآلاف من الشباب المغاربة في تنظيم مظاهرات لفتت الأنظار إلى قضايا وطنية: جودة التعليم، الولوج إلى الرعاية الصحية، تصاعد الفوارق الاجتماعية، والفساد. ورغم أن الأيام الأخيرة تخللتها بعض التوترات وحوادث تخريب، إلا أن الحركة تحولت إلى تعبير سلمي ورمزي. ففي مظاهرات البارحة مثلاً، عبّر الشباب عن احترامهم لقوات الأمن، موجهين الأنظار من جديد إلى جوهر مطالبهم: الكرامة والحق في الخدمات الأساسية.
لقد كشف هذا الظرف شيئاً أساسياً عن جيل زد المغربي: جيلٌ كثيراً ما وُصف بأنه غير مهتم، أثبت العكس تماماً. أظهر أنه منخرط، فخور، ومستعد للوقوف دفاعاً عن الكرامة. ما نشهده اليوم ليس لا مبالاة، بل إحساس عميق بالانتماء والمسؤولية. إنه دليل على جيل يرفض قبول التراجع كأمر محتوم، ويختار بدلاً من ذلك الإيمان بإمكانية بناء مستقبل أفضل.
لكن قوة هذا الجيل لا تتجلى فقط في حضوره بالشارع. فقد أبان عن كفاءة وإبداع لافتين: يعرف كيف ينظم نفسه، كيف يتواصل، وكيف يحوّل الفضاءات الرقمية إلى أدوات تضامن. اهتمامه ليس بالشعارات الفضفاضة، بل بقضايا ملموسة تمس الحياة اليومية للأسر. هذه الوضوحية، مقرونة بطاقة شبابية قوية، تشير إلى قدرة حقيقية على التغيير تتجاوز لحظات التعبئة الآنية.
في المركز المغربي للإبداع والمقاولة الاجتماعية (MCISE)، نرى أن هذه اللحظة تشكل محطة مفصلية للابتكار الاجتماعي بالمغرب. فالسياسات التقليدية والحلول الكلاسيكية لم تعد كافية لمواجهة حجم التحديات. ما نحتاجه اليوم هو مقاربات جديدة، شاملة وتشاركية، تجعل من الشباب صانعي تغيير لا مجرد مستفيدين. ومن خلال تشجيع ريادة الأعمال، والمشاركة المواطنة، وحل المشاكل بشكل جماعي، يمكن للابتكار الاجتماعي أن يفتح مسارات أمام الشباب المغاربة لابتكار الحلول التي يطالبون بها اليوم. الأمر لا يتعلق فقط بالاستجابة للاحتياجات المستعجلة، بل ببناء مستقبل تكون فيه طاقات الشباب وإبداعهم هي القوة الدافعة لتنمية المغرب.
لماذا عملنا مهم؟
لقد كان تمكين الشباب كصانعي تغيير دائماً في صميم رسالتنا بـ MCISE. وهذا الظرف يذكرنا أن الشباب لا يحتاجون انتظار الحلول الفوقية. إذا أُتيحت لهم المساحات والدعم المناسب، فإنهم قادرون على تصميم حلول بأنفسهم، بالاعتماد على الابتكار الاجتماعي، ريادة الأعمال، والانخراط المدني. ومن خلال برامجنا، شهدنا مراراً كيف يمكن أن يتحول الإحباط إلى فعل بنّاء حين تتوفر الفرص أمام الشباب لقيادة التغيير.
المظاهرات أيضاً سلطت الضوء على ما نلمسه يومياً في عملنا: الفجوات في الخدمات العمومية، التعليم، الصحة، والعدالة الاجتماعية عميقة وعاجلة. الابتكار الاجتماعي لا يمكنه أن يحل محل الأنظمة العمومية، لكنه قادر على تكملتها. فبدعم مبادرات يقودها الشباب، نُسهم في جعل هذه الأنظمة أكثر تجاوباً وشمولية، ونُثبت أن الحلول يمكن أن تنبع من داخل المجتمعات نفسها.
نحن نؤمن أن التغيير المستدام يحتاج أكثر من مجرد رموز. يحتاج حلولاً قابلة للاستمرار، للنمو، وللوصول إلى مجتمعات أكثر. لهذا يستثمر MCISE في أفكار عملية، قابلة للتوسيع، وجذورها متينة في الحاجات الواقعية. طاقة وإصرار هذا الجيل دليل على أن الاستدامة ممكنة حين تُمنح للشباب الوسائل لقيادة حلولهم، ونحن ملتزمون بمرافقتهم في هذا المسار.
ولا يمكن لقطاع واحد أن ينجز هذا بمفرده. بناء أنظمة أفضل يحتاج جسوراً بين الشباب، المجتمع المدني، الحكومة، والقطاع الخاص. دور MCISE كان دائماً هو الربط بين هؤلاء الفاعلين، وخلق منظومات حيث يمكن للابتكار أن ينمو وينتشر. هكذا تتحول لحظات الاحتجاج إلى تقدم طويل الأمد: عندما يُقابل إصرار الشباب بدعم جماعي وتعاون منظم.
…وللحديث بقية
صحيح أن بعض التحديات مثل الفساد أو اختلالات المنظومات العمومية تحتاج لتدخل مباشر، لكن كل فرد في المجتمع له دور أيضاً. لكل واحد صوت، ولكل واحد إمكانية للمساهمة، سواء عبر الابتكار، المشاريع المجتمعية، ريادة الأعمال، أو المرافعة. ومن خلال تمكين الشباب وتعزيز التعاون بين مختلف القطاعات، يساعد MCISE على توجيه طاقة وإبداع المجتمع المغربي نحو تغيير ملموس، يضمن أن الحلول ليست فقط نظامية، بل أيضاً شاملة، تشاركية، ومستدامة.
الدرس الأهم هو الاستمرارية. هذا الحراك أثبت أن جيل زد ليس جيلاً ينتظر الآخرين ليتصرفوا. بل هو جيل يتحول إلى قوة فاعلة للتغيير، يؤسس لثقافة جديدة من المساءلة والاهتمام. جيل يبرهن أن التغيير ليس ممكناً فقط، بل هو قيد البناء، خطوة بخطوة، على يد الجيل ذاته الذي اعتُقد يوماً أنه غائب.
كتابة

Sophia El Bahja
مديرة التواصل والتسويق MCISE

Nabil Kasmi
مسؤول المشروع, MCISE
Leave a Reply